حذرنا في بداية الأسبوع من احتمال ارتفاع معدلات تقلب واضطراب الأسواق المالية، لا سيما وأنّ بضعة أيام فقط باتت تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية. غير أنّ المستثمرين واجهوا يوماً عصيباً للغاية يوم الأربعاء وأسوأ بكثير مما كان متوقعاً؛ إذ هبط مؤشر ستاندرد أند بورز500 بواقع 3.5%، في تراجع هو الأكبر منذ شهر يونيو الماضي، وتزامن ذلك مع انخفاض جميع القطاعات بأكثر من 2%. وكانت أسهم شركات التكنولوجيا قد تلقت الضربة الأقوى بعد هبوطها بواقع 4.38%، وتلتها كُلّ من أسهم شركات الطاقة والتصنيع، التي هبطت بنسبة 4.18% و3.47%، على الترتيب. وأصبحت الخيارات المتاحة أمام الساعين إلى حماية محفظاتهم باهظة التكلفة، لا سيما وأنّ مؤشر فيكس قد أغلق فوق حاجز الأربعين نقطة للمرة الأولى منذ 11 يونيو الماضي.

وفي حين يبقى الغموض حيال نتائج الانتخابات الأمريكية عاملاً رئيسياً مؤثراً على أصول المخاطر، كانت عمليات التصفية هذه المرة مدفوعة بمخاوف دخول أزمة كوفيد-19 بمرحلة جديدة. وعادت دول مثل الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا وغيرها إلى تسجيل أرقام قياسية جديدة في أعداد حالات الإصابة بالفيروس، وبدأت المستشفيات بالامتلاء بوتيرة سريعة للغاية. واتضح على مدى الأيام القليلة الماضية بأنّ الفيروس بات خارجاً عن السيطرة، وبأنّ الطريقة الوحيدة لمواجهة انتشاره السريع تتمثل في فرض حالات الإغلاق من جديد. وكانت فرنسا قد أعلنت بالفعل عن إغلاق ثان على المستوى الوطني يستمر لغاية نهاية شهر نوفمبر المقبل على أقل تقدير، بينما تتجه ألمانيا لفرض حالة إغلاق طارئة تشمل إقفال المطاعم والصالات الرياضية والمسارح. وكنتيجة لذلك، هبط كُلّ من مؤشري داكس الألماني وكاك الفرنسي بواقع 4.17% و3.37%، على الترتيب.

بينما تشير العقود الأمريكية الآجلة إلى انتعاش بأكثر من 1% بعد عمليات التصفية الحادة التي شهدها يوم أمس، الأمر الذي يُعزى إلى شراء الأصول بأقل من قيمتها في السوق وليس بسبب حدوث أيّ تغير في الأساسيات الاقتصادية. وبناءً على هذه المعطيات، نتوقع بقاء حالة التقلّب الحالية على مدار الأيام العديدة المقبلة.

وفي ضوء تلاشي الآمال بإقرار حزمة الحوافز الجديدة في الوقت الراهن، سيجد المستهلكون الأمريكيون، الذين يُعتبرون المحرك الأهم للاقتصاد، أنفسهم أمام المزيد من الأسباب التي تمنعهم من الإنفاق، لا سيما في حال اتخاذ أي تدابير إغلاق جديدة قد تُسفر بدورها إلى عمليات تسريح من العمل. ومن المتوقع أن يُسلط تقرير الناتج المحلي الإجمالي عن الربع الثالث الضوء اليوم عن زيادة بنسبة 31% في النمو الحقيقي، غير أنّ تقديرات المحللين بتراوح هذا النمو بين 8 و37.1% لم تترك أيّ مجال لحدوث المفاجآت. ويُمكن لهذه البيانات أن تُفضي عن تحركات كبيرة في السوق في حال انحرافها عن التوقعات بشكل كبير، برغم اعتبارها واحدة من المؤشرات المتأخرة في هذا المجال. وسنكون بحاجة لمفاجأة إيجابية كبيرة لتشجيع المستثمرين على شراء الأصول التي انخفضت أسعارها، لا سيما وأنّ الربع الأخير لا يبدو مبشراً بالخير بالنظر إلى التطورات الأخيرة.

وفي ظلّ زيادة احتمالات حدوث هبوط مزدوج في الأسعار، يجد البنك المركزي الأوروبي نفسه تحت ضغوط متزايدة للتحرك، لاسيما وأنّ العديد من الدول تدخل في حالات إغلاق جديدة ولا يبدو بأنّنا سنشهد أيّ استجابة مالية قوية لأزمة كوفيد-19. ونتوقع تأني البنك المركزي الأوروبي في الوقت الحالي قبل قيامه بتحديد التوقعات حيال التسهيلات المرتقبة في شهر ديسمبر، ولكن وبالنظر إلى تسارع وتيرة التدهور في المنطقة، لا يُمكننا استبعاد احتمالية إقرار أي تسهيلات جديدة. ويبقى اليورو تحت ضغط كبير بصرف النظر عن نتائج اجتماع البنك المركزي الأوروبي اليوم. ومع ذلك، وفي حال إعلان حزمة جديدة من التسهيلات، فمن المرجح أن نشهد انخفاض زوج عملات اليورو/ الدولار الأمريكي نحو نطاق 1.15-1.16 نقطة.

تنويه: يحتوي هذا المقال على آراء خاصة بالكاتب، ولا ينبغي استخدامها كمشورة أو نصيحة للإستثمار، ولا يعتبر دافعاً للقيام بأي معاملات بأدوات مالية، وليس ضماناً أو توقعاً للحصول على أي نتائج في المستقبل. لا تضمن ForexTime (FXTM)، أو شركاءها المتعاونين، أو وكلاءها، أو مديريها، أو موظفيها أي صحة، أو دقة، أو حسن توقع أي معلومات أو بيانات واردة في هذا المقال، ولا يتحملون مسؤولية الخسائر الناتجة عن أي استثمار تم على أساسها.