تتسم أسواق الأسهم بطابعها التطلعي؛ إذ يقوم المستثمرون بتقييم قيمة شركة ما اليوم بناءً على توقعات معقولة حول إيراداتها وتدفقاتها المالية المستقبلية. ومن هُنا يأتي اصطلاح ’آلية الاستشراف‘، حيث تميل الأسهم عادة إلى النظر في أكبر قدر ممكن من الأخبار والأحداث المرتقبة. وتُمثل آخر الأخبار الصادرة حول اللقاح مثالاً نموذجياً عمّا نتحدث عنه، لا سيما وأنّها أسهمت في رفع قيمة الأسهم الأمريكية إلى مستويات قياسية، مصحوبة بالعديد من مؤشرات الأسهم الآسيوية أيضاً.

ويبدو المستقبل مُبشراً بالخير بالفعل، وبتنا أكثر ثقة بأنّ أزمة كوفيد-19 اقتربت من نهايتها. ومع ذلك، ستتواصل معاناتنا على المدى القصير من حيث توقيت العودة إلى طبيعة حياتنا قبل انتشار المرض ومدى الضرر الواقع قبل حدوث هذا. وفي ضوء استمرار حالة الغموض الحالية، سيكون لزاماً على المستثمرين توقع حدوث بعض التقلبات على مدى رحلتنا نحو التعافي، لا سيما وأنّ الأسواق قد أخذت غالبية هذه الأخبار الإيجابية بالاعتبار بالفعل.

وكان الإعلان الصادر يوم أمس حول عزم مدينة نيويورك إغلاق المدارس مجدداً قد طغى على بيان فايزر وبايو إن تيك حول فاعلية اللقاح التي بلغت 95%. وبعد المكاسب التي حققتها منذ انطلاقة الموسم، تراجعت غالبية المؤشرات الأمريكية الرئيسية، وشهدت انخفاض مؤشر ستاندرد أند بورز500 بأكثر من 1% للمرة الأولى منذ شهر أكتوبر. ومن جانبها، هبطت عائدات سندات الخزينة بشكل طفيف، مع بقاء السندات التي تستحق بعد عشرة أعوام فوق حاجز الـ 0.85% وارتفاع قيمة الدولار بعض الشيء. وفي ضوء ما سبق، لا تُشير أيٌّ من العوامل الآنفة الذكر إلى وجود بوادر للإفراط في تفادي المخاطر. وبالنظر إلى الأسهم بصفتها فئة الأصول الوحيدة التي أخذت الأخبار الإيجابية بعين الاعتبار، فمن المتوقع أن تكون الأكثر تضرراً أيضاً عند صدور أيّ معلومات سلبية.

ولسوء الحظ، تُشير المعدلات القياسية الجديدة لإصابات كوفيد-19 التي استقبلتها المستشفيات الأمريكية وأعداد النتائج الإيجابية الأعلى على مدى الأشهر الستة الماضية إلى إمكانية حدوث المزيد من الوفيات نتيجة للفيروس. وبرغم عدم النظر في احتمال فرض الإغلاق الكامل في المرحلة الراهنة، فلا بد من أخذ احتمالية مخاطر اعتماد ولايات أمريكية أخرى لذات التدابير المتخذة في نيويورك مع ازدياد قسوة فصل الشتاء بعين الاعتبار أيضاً. وبات من الواضح بأنّ النشاط الاقتصادي في طريقه إلى التراجع، مع أنّنا لن نتمكّن من تحديد التداعيات الاقتصادية لعدة أسابيع مقبلة. وعندها ستعود الساحة السياسية الأمريكية إلى دائرة الضوء وستُصبح المباحثات حول تدابير التحفيز المالي أهم من حيث قدرتها على تحريك السوق من أخبار اللقاحات.

ومع إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تركيز جهوده على الطعن في نتائج الانتخابات وعدم إظهار الديمقراطيين أو الجمهوريين أيّ بوادر للتوصل إلى أرضية مشتركة، فيبدو أنّه من غير المرجح أن يتم إقرار حزمة التحفيز المالي في أي وقت قريب. فهل ستكون هُناك حاجة لإقرار الدولة والحكومات المحلية لتدابير الإغلاق من جديد من أجل المضي قُدماً في هذه المباحثات؟

تنويه: يحتوي هذا المقال على آراء خاصة بالكاتب، ولا ينبغي استخدامها كمشورة أو نصيحة للإستثمار، ولا يعتبر دافعاً للقيام بأي معاملات بأدوات مالية، وليس ضماناً أو توقعاً للحصول على أي نتائج في المستقبل. لا تضمن ForexTime (FXTM)، أو شركاءها المتعاونين، أو وكلاءها، أو مديريها، أو موظفيها أي صحة، أو دقة، أو حسن توقع أي معلومات أو بيانات واردة في هذا المقال، ولا يتحملون مسؤولية الخسائر الناتجة عن أي استثمار تم على أساسها.